فصل: تفسير الآيات (33- 35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (33- 35):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)}
قوله عز وجل: {فَاصْبِر كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِن الرُّسُلِ} فيهم ستة أوجه:
أحدها: أن أولي العزم من الرسل الذين أمروا بالقتال من الأنبياء، قاله السدي والكلبي.
الثاني: أنهم العرب من الأنبياء، قاله مجاهد والشعبي.
الثالث: من لم تصبه فتنة من الأنبياء، قاله الحسن.
الرابع: من أصابه منهم بلاء بغير ذنب، قاله ابن جريج.
الخامس: أنهم أولوا العزم، حكاه يحيى.
السادس: أنهم أولوا الصبر الذين صبروا على أذى قومهم فلم يجزعوا.
وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل لم يرض عن أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر على مخبوئها».
وفي أولي العزم منهم ستة أقاويل:
أحدها: أن جميع الأنبياء أولوا العزم، ولم يبعث الله رسولاً إلا كان من أولي العزم. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبروا، قاله ابن زيد.
الثاني: أن أولي العزم منهم نوح وهود وإبراهيم، فأمر الله رسوله أن يكون رابعهم، قاله أبو العالية.
الثالث: أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، قاله ابن عباس.
الرابع: أنهم نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى، قاله عبد العزيز.
الخامس: أنهم إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم، قاله السدي.
السادس: أن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب، وليس منهم يونس ولا سليمان ولا آدم، قاله ابن جريج.
{وَلاَ تَسْتَعْجِلَ لَّهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: بالدعاء عليهم، قاله مقاتل.
الثاني: بالعذاب وهذا وعيد.
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: من العذاب، قاله يحيى.
الثاني: من الآخرة، قاله النقاش.
{لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِن نَّهَارٍ} فيه وجهان:
أحدهما: في الدنيا حتى جاءهم العذاب، وهو مقتضى قول يحيى.
الثاني: في قبورهم حتى بعثوا للحساب، وهو مقتضى قول النقاش.
{بَلاَغٌ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن ذلك اللبث بلاغ، قاله ابن عيسى.
الثاني: أن هذا القرآن بلاغ، قاله الحسن.
الثالث: أن هذا الذي وصفه الله بلاغ، وهو حلول ما وعده إما من الهلاك في الدنيا أو العذاب في الآخرة على ما تقدم من الوجهين.
{فَهَلْ يُهْلَكُ} يعني بعد هذا البلاغ.
{إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} قال يحيى: المشركون.
وذكر مقاتل أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فأمره الله أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولوا العزم من الرسل تسهيلاً عليه وتثبيتاً له، والله أعلم.

.سورة محمد:

.تفسير الآيات (1- 3):

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)}
قوله عز وجل: {الَّذِينَ كَفَرُواْ} يعني كفروا بتوحيد الله.
{وَصَدُّواْ عَن سَبيلِ اللَّهِ} فيه وجهان:
أحدهما: عن الله وهو الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه، قاله السدي.
الثاني: عن بيت الله يمنع قاصديه إذا عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم- عليهم الإسلام أن يدخلوا فيه، قاله الضحاك.
{أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أحبط ما فعلوه من الخير بما أقاموا عليه من الكفر.
الثاني: أبطل ما أنفقوا ببدر لما نالهم من القتل.
الثالث: أضلهم عن الهدى بما صرفهم عن التوفيق.
وحكى مقاتل بن حيان أن هذه الآية نزلت في اثني عشر رجلاً من كفار مكة، ذكر النقاش أنهم أبو جهل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عقبة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف ومنبه ونبيه ابنا الحجاج وأبو البختري وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام والحارث بن عامر بن نوفل.
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ ءَامَنواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم الأنصار، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها نزلت خاصة في ناس من قريش، قاله مقاتل.
وفي قوله: {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} فيه قولان:
أحدهما: المواساة بمساكنهم وأموالهم، وهذا قول من زعم أنهم الأنصار.
الثاني: الهجرة وهذا قول من زعم أنهم قريش.
{وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} أي آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه من القرآن.
{وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن إيمانهم هو الحق من ربهم.
الثاني: أن القرآن هو الحق من ربهم.
{كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ} فيه وجهان:
أحدهما: سترها عليهم.
الثاني: غفرها بإيمانهم.
{وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أصلح شأنهم، قاله مجاهد.
الثاني: أصلح حالهم، قاله قتادة.
الثالث: أصلح أمرهم، قاله ابن عباس، والثلاثة متقاربة وهي متأولة على إصلاح ما تعلق بدنياهم.
الرابع: أصلح نياتهم. حكاه النقاش، ومنه قول الشاعر:
فإن تقبلي بالود أقبل بمثله ** وإن تدبري أذهب إلى حال باليا

وهو على هذا التأويل محمول على إصلاح دينهم، والبال لا يجمع لأنه أبهم إخوانه من الشأن والحال والأمر.
قوله عز وجل: {ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ اتَّبَعُواْ الْبَاطِلَ} فيه قولان:
أحدهما: أن الباطل الشيطان، قاله مجاهد.
الثاني: إبليس، قاله قتادة، وسُمِّي بالباطل لأنه يدعو إلى الباطل.
ويحتمل ثالثاً: أنه الهوى.
{وَأَنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّبعُواْ الْحَقَّ مِن رَّبِهِمْ} فيه وجهان:
أحدهما: اتبعوا الرسول، لأنه دعاهم إلى الحق وهو الإسلام.
الثاني: يعني القرآن سمي حقاً لمجيئه بالحق.
{كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} قال يحيى: صفات أعمالهم، وفي الناس هنا قولان:
أحدهما: أنه محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الكلبي.
الثاني: جميع الناس، قاله مقاتل.

.تفسير الآيات (4- 9):

{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)}
قوله عز وجل: {فَإذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} فيهم هنا قولان:
أحدهما: أنهم عبدة الأوثان، قاله ابن عباس.
الثاني: كل من خالف دين الإسلام من مشرك أو كتابي إذا لم يكن صاحب عهد ولا ذمة.
وفي قوله: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} وجهان:
أحدهما: ضرب أعناقهم صبراً عند القدرة عليهم.
الثاني: أنه قتلهم بالسلاح واليدين، قاله السدي.
{حَتَّى إِذَآ أَثخَنُتُموهُمْ فَشُدُّواْ الْوَثَاقَ} يعني بالإثخان الظفر، وبشد الوثاق الأسر.
{فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً} في المَنِّ هنا قولان: أحدهما: أنه العفو والإطلاق كما من رسول الله صلى الله عليه على ثمامة بن أثال بعد أسره.
الثاني: أنه العتق، قاله مقاتل.
فأما الفداء ففيه وجهان:
أحدهما: أنه المفاداة على مال يؤخذ من أسير يطلق، كما فادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر كل أسير بأربعة آلاف درهم، وفادى في بعض المواطن رجلاً برجلين.
الثاني: أنه البيع، قاله مقاتل.
{حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} فيه خمسة أوجه:
أحدها: أن أوزار الحرب أثقالها، والوزر الثقل ومنه وزير الملك لأنه يتحمل عنه الأثقال، وأثقالها السلاح.
الثاني: هو وضع سلاحهم بالهزيمة أو الموادعة، قال الشاعر:
وأعددت للحرب أوزارها ** رماحا طوالاً وخيلاً ذكوراً

الثالث: حتى تضع الحرب أوزار كفرهم بالإسلام، قاله الفراء.
الرابع: حتى يظهر الإسلام على الدين كله، وهو قول الكلبي.
الخامس: حتى ينزل عيسى ابن مريم، قاله مجاهد.
ثم في هذه الآية قولان:
أحدهما: أنها منسوخة بقوله: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِم لَعَلَّهُمْ يَذَّكُرُونَ} [الأنفال: 57] قاله قتادة.
الثاني: أنها ثابتة الحكم، وأن الإمام مخير في من أسره منهم بين أربعة أمور: أن يقتل لقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ}، أو يسترق لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استرق العقيلي، أو يَمُنُّ كما مَنَّ على ثمامة، أو يفادي بمال أو أَسرى، فإذا أسلموا أسقط القتل عنهم وكان في الثلاثة الباقية، على خياره، وهذا قول الشافعي.
{ذلِك وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لا نَتصَرَ مِنهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: بالملائكة، قاله الكلبي.
الثاني: بغير قتال، قاله الفراء.
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قراءة أبي عمرو وحفص، قال قتادة: هم قتلى أحد. وقرأ الباقون {قَاتَلُواْ}.
{سَيَهْدِيهِمْ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يحق لهم الهداية، قاله الحسن.
الثاني: يهديهم إلى محاجة منكر ونكير في القبر، قاله زياد.
الثالث: يهديهم إلى طريق الجنة، قاله ابن عيسى.
قوله عز وجل: {وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: عرفها بوصفها على ما يشوق إليها، حكاه ابن عيسى.
الثاني: عرفهم ما لهم فيها من الكرامة، قاله مقاتل.
الثالث: معنى عرفها أي طيبها بأنواع الملاذ، مأخوذ من العرف وهي الرائحة الطيبة، قاله بعض أهل اللغة.
الرابع: عرفهم مساكنهم فيها حتى لا يسألون عنها، قاله مجاهد. قال الحسن: وصف الجنة لهم في الدنيا فلما دخلوها عرفوها بصفتها.
ويحتمل خامساً: أنه عرف أهل السماء انها لهم إظهاراً لكرامتهم فيها.
قوله عز وجل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَنصُرواْ اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: إن تنصروا دين الله ينصركم الله. الثاني: إن تنصروا نبي الله ينصركم الله، قاله قطرب.
{وَيُثَبِّتْ أَقْدَامكُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: ويثبت أقدامكم في نصره.
الثاني: عند لقاء عدوه.
ثم فيه وجهان:
أحدهما: يعني تثبيت الأقدام بالنصر.
الثاني: يريد تثبيت القلوب بالأمن.
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ} فيه تسعة تأويلات:
أحدها: خزياً لهم، قاله السدي.
الثاني: شقاء لهم، قاله ابن زيد.
الثالث: شتماً لهم من الله، قاله الحسن.
الرابع: هلاكاً لهم، قال ثعلب.
الخامس: خيبة لهم، قاله ابن زياد.
السادس: قبحاً لهم، حكاه النقاش.
السابع: بعدائهم، قاله ابن جريج.
الثامن: رغماً لهم، قاله الضحاك.
التاسع: أن التعس الانحطاط والعثار، حكاه ابن عيسى.